الســـلام مع النفس والكون ، وزير الأوقاف يكتب عن موضوع خطبة الجمعة
الســـلام مع النفس والكون ، لوزير الأوقاف ، أ.د/ محمد مختار جمعة
السلام ليس مجرد شعار يرفع ، إنما هو قيمة إنسانية راقية ، حرص ديننا الحنيف على ترسيخها ، فديننا دين السلام ، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) نبي السلام ، وتحيتنا في الدنيا سلام ، وتحية أهل الجنة في الجنة السلام ،و السلام والإسلام يرجعان إلى أصل لغوي واحد “سلم” و ” المسلمُ من سلم الناسُ من لسانه ويدهِ “.
فما أجمل أن يعيش الإنسان في سلام مع نفسه ، وسلام مع أسرته ، وسلام مع عائلته ، وسلام مع جيرانه ، وسلام مع زملائه ، وسلام مع أصدقائه ، وسلام مع المجتمع ، وسلام مع الناس أجمعين .
على أن السلام الذي ننشده لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال نفوس صافية تحكمها ضوابط إيمانية وإنسانية راقية ، من أهمها ، أن يكون للإنسان وجه واحد ظاهره كباطنه ، لا أن يكون من ذوي الوجهين الذين يلقى الواحد منهم هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ “(صحيح مسلم).
ومنها أن يكون محبًا للخير للناس أجمعين ، رحيمًا ، ودودًا ، سهلاً ، هينًا ، لينًا ، يألف ويؤلف ، فالمؤمن يألف ويؤلف ، والكافر فظ غليظ لا يألف ولا يؤلف ، والمؤمن مفتاح للخير مغلاق للشـر ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ الله مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ الله مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ “(سنن ابن ماجه).
ولا يمكن للإنسان أن يكون في سلام مع نفسه أو مع الآخرين إلا إذا كان منصفًا للآخرين من نفسه يعمل في إطار الحقوق المتكافئة المتبادلة ، ويطبق عن قناعة مبدأ الحق والواجب .
وهذا السلام النفسي يقتضي أن يؤمن كل منا بحق الآخر في الحياة الكريمة الآمنة المستقرة ، ويدرك أن هناك قواسم إنسانية مشتركة أجمعت عليها جميع الشرائع السماوية , يؤدي الالتزام بها والوفاء بمتطلباتها إلى أن تسود الطمأنينة والاستقرار والسلام النفسي والمجتمعي بين الجميع .
المسلم الحقيقي متسامح مع نفسه ، في سلام حقيقي مع أهله وذويه ، وجيرانه ، وأصدقائه ، مع الناس أجمعين ، فضلًا عن أنه في سلام مع الكون فلا يؤذي حيوانًا ، ولا يحرق نباتًا ، ولا يتلف شجرًا ولا ثمرًا ، إنما هو بنّاء معطاء ، يحب الخير لا الشر ، والبناء لا الهدم ، والتعمير لا التخريب ولا الإفساد في الأرض .